الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

الذكر والكهف



الذكر والكهف                                        
 خرج من كهفه فى وقت لا يصح له فيه الخروج . خرج ليلا يهتز غضبا وقلقا ، يضرب بقدمه الغليظه الأرض فيخيل له انها تهتز تحت وطأه غضبه .
كان الوقت ليلاً وضوء القمر المكتمل ساطع يملأ الأرض نوراً لايرقى لنور الشمس ولكنه كاف له ليرى اين يضع خطوته القادمه الغاضبه ، لكن الخطوات الغاضبه عمياء لا ترى امامها حتى ولو فى نور الشمس .
اندفع فى طريقه لا يعلم الى اين ، تلاحقه صرخاتها ، تتسمك بقدمه أهاتها فيعدوا أكثر وأكثر كما لو كان يهرب منها . تتوقف الصرخات فجاءه فيتوقف هو عن العدو ويرهف السمع ، يبدوا لوهله انه سيتراجع ويعود لكهفه ولكنه مع اول صرخه ينتفض كمن تلقى ضربه بسوط من نارعلى ظهره فيعدوا اكثر قوه وغضبا من قبل. ومع كل ضربه قدم له تصرخ الأرض ألماً فيرفع رأسه الى السماء ناظرا بغضب اشد من السابق كما لو كان يضرب على ابوابها هى الاخرى بنظرات غضبه ولكن السماء تفتح له ابوابها متقبله التحدى  مطلقه عليه زخاتها تلاطمه على خدّيه وتوخز عينيه المُتحدّيه ليُِِسكت دقاته ، فيُغمض عينيه ويُطأطأ رأسه ويُعيد النظر لطريقه الذى لايتبينه الان من شده المطر الذى تحول فى ثانيه من مجرد زخات الى وبلٍ كثيفٍ .
يستمر فى العدو وسياط الالم تجلده بقوه اكبر فيعدوا بشده حتى ليكاد يحترق من سرعه عدوه فتُذيده السماء من ماءِها لتطفئ حرائقه ولكنه لا يأبه بنفسه ولا ما حوله وانما يعود عقله لكهفه الذى نسيَ اغلاقه بالصخره ......ثم يتذكر ان المطر سيمنع الوحوش الليليه من الخروج من مخابئها الان ....فيطمئن ويرجع لحاله مع الألم ...
يرى البحر امامه فينسى غضبه للحظه ويرمى نفسه بين احضانه الهائجه الاكثر غضبا منه ....
يغوص فى العمق الاكثر هدوءا ، ليفكر ويبتهل ويدعوا ، فلطالما استجيبت دعواته التى دعاها وهو فى احضان الموج.
دعى ان يرزق بذكر هذه المره وليس انثى اخرى ، دعى ان يعيش هذا الذكر ولا يموت او يؤكل كسابقيه .
تسأل لما هو الوحيد الذى لا يعيش له ذكر.....لقد قام بكل ما عليه من واجبات وقدم قرابين لكل الألهه ألهته وحتى ألهه اخوته وعشيرته .....فلما لا يرزق بذكر قوى يعيش مثلهم .
هو الاشد قوه بين اخوته والأغلظ يداً والاطول رمحاً .....فلما لا يرزق بذكر
يندفع برأسه خارج الماء ليلتقط انفاسه فتلطمه الامواج على وجهه وتذجره زخات المطر ، فيعود للأعماق مره اخرى .
لديه اربع إناث ومات له سته ذكور الذين لو عاشوا لكانوا له السند الان فى رحلات صيده اليوميه والتى بعد فتره غير بعيده لن يستطيع القيام بها وحده فهو ليس بقوه العام الذى مضى او الذى قبله .....
كل عام يرحل ترحل معه بعض من قوته ولا تعود .
من سيُطعم كل تلك الإناث ؟؟ خمسه إناث فى البيت ،
خمسه افواه مفتوحه كل يوم لا تتوقف عن المضغ و البلع ولا عن الصراخ مطالبه بحقها فى الحياه .
اين حقى انا ؟؟؟ اريد من يعاوننى على همومهم ....على اسكات افواههم الجائعه دائما ..
اريد ذكر.....اريد ذكور
يرفع رأسه مره اخرى ليلتقط انفاسه فيعمى عينيه البرق ويصم اذنه الرعد ....فيعود للأعماق مره اخرى
هو كان ذكراً قوياً ......كان اقوى اخوته الذكور جميعا ...ولكنه تمرد على الحياه وسط عائلته ومشاركتهم صيده الوفير....استكثر عليهم قوته وقرر ان ينفرد بها لنفسه ليصنع عائلته وجماعه صيده الخاصه . الان هم يصتادون معا وقت الوفره ويتقاسمون ما يصتادونه وقت الجفاف....اما هو ومن مثله مِمَن انعزلوا عن جماعتِهم وكونوا جماعات متفرقه فلا يتمتعوا بمثل ذلك الأمان المتوفر وسط الجماعه الكبيره.......ومع ذلك كان همّ الجميع همّ بسيط فهم جميعا انجبوا الذكور الذين بدأوا يساعدوهم فى الصيد، اماهو فكل من انجبهم من ذكور ماتوا او اؤكلوا .....
لما لاتختار الوحوش فرأئسها من الإناث ....تركت له إناثه تنموا وتكبر وأكلت الذكور الاكثر نفعا واهميه ..
يخرج رأسه مره اخرى ليلتقط انفاسه فيخيل له ان صرخات انثاه توقفت وان المولود نزل الى ارض الكهف الرطبه وانه بدأ الصراخ مطالبا بحقه فى الحياه هو الاخر، فكر ماذا لو كان المولود ذكر قوى مثلى وكبر وتعلم الصيد ثم تركنا وكون جماعته الخاصه مثلما فعلت مع جماعتى ، ماذا سأفعل وقتها وسأكون صرت اكثر ضعفا من الان، قرر الغوص فى الاعماق مره اخرى......فهناك يكون جلي الافكار .
إناثه يبدوّن قويات مثله ..... فالكبرى تشبه الثور فى غلظتها وضربه قدم منها كفيله بتفريق جمع من إناث القبيله .
والثانيه تشبه فرس النهر هادئه ولكنها قويه لا تظهر قوتها الا وقت الحاجه فتباغت عدوها الذى ظنها لوهله ضعيفه طيبه ، ابتسم حينما تذكر انها تشبه فرس النهر حقا فهى تأكل كثيرا جداً .....اتسعت ابتسامته فضحك وهو يقول فى نفسه تحتاج صياد متفرغ لسد فمها وحده .
والثالثه تشبه الفيل فهى قادره على حمل الصخور الثقيله للكهف طوال اليوم دون كلل او تعب او تأفف فهى مع قوتها صبوره وهى الان اصبحت تزحزح صخره الكهف الكبيره كل يوم وحدها فتدخل نور الشمس كل يوم للكهف وتوقظنا وفى اليل تعيدها مكانها فننام امنين شر الوحوش.
والرابعه مع صغر سنها الا انها ذات قبضه قويه ، عندما تمسك بقدمى وانا خارج للصيد لا يخلصنى من قبضتها الا امها عندما تحملها .
خرج برأسه من الماء مره اخرى فوجد ان غضب السماء قد توقف ووجد ان البحر غدّى اكثر هدوءا وهو نفسه هدأ كثيرا .
سبح فى اتجاه الشاطئ وخرج من الماء ، سار تحت ضوء القمر المغسول مرتاح لما توصل اليه من قرار .
خطا بخطواته نحو الكهف لا يهمه الوحل الذى يعيق طريقه ففى جوفه اصبح هناك فكره سرعان ما ظهرت على عينيه ووضحت فى ثبات نظراته وخطواته .
هو سيعلم إناثه الصيد .
سيكون هو اول من فعلها .
سيهزأ منه اخوته ...
سيقولون انه لا يستطيع ان يطعم إناثه ولا يستطيع ان ينجب لهم ذكرا يطعمهم من بعده
ولكن هل هو من يطعم اخوته إلاناث الان وامه ؟؟؟
ماذا لو انجب ذكرا وتركهم هو الاخر ؟؟؟؟
وماذا لو لم يجد ذكور القبيله كلهم رغبه فى احدى بناته وهذا اصبح يحدث كثيرا الان ....هل يتركهن فريسه للموت جوعا ؟؟؟؟
ام يتركهن يقدمن قرابين للألهه لانه لا يوجد من يطعمهم؟
دخل كهفه بوجه غير الذى خرج به حمل طفله الملفوف فى فرو أرنب برى ولأول مره لم يبحث ولم يسأل هل هو ذكر ام انثى.
لانه قد اتخذ قرار لن يختلف سواء كان المولود ذكرا ام انثى .

هو سيعلم إناثه الصيد .